كان غاية في النباهــة واللباقة والحزم والعزم، ولعل ذلك ما يفسّر لنــا كتابته لسيرته الذاتية بنفسه، وهو فن مستحدث سبق فيه العرب الغرب قرونا عديدة، وقد يتساءل أحد عن سرّ اهتمامنا بسيرة الرجل وحياته، وهي مدونة مرحلة بمرحلة، وحدثا بحدث، دون إغفال أو مواربة فيما بعد القسم الرابع من مجلده السابع والذي خصّصه للتعريف به وبرحلته شرقا وغربا، وجواب ذلك يكمن فيما لحق الرجل عقب وفاته من إهمال ونسيان بلغ قرونا عدّة، وهي أربعة طويلة وشاقة على أمّته وبنيها العرب المسلمين، فكيف كانت حياته وماهي أهم التقاطعات التي أثّرت عليه ؟
هـو أبـو زيــد ولي الديـن عبد الرحمن ، بن أب بكر محمد ، بن أبـي عبد الله محمد ، بن محمد ، بن الحسن ، بن محمد ، بن جابـر ، بن محمد ، بن إبراهيم ، بن عبد الرحمن ، بن خلدون ، اليمني ، الاشبيلي ، التونسي ، المالكي ، الأشعري ، ولد في غرّة رمضان 732 هـ الموافق لـ: 27 ماي 1332 م
في اسرة اندلسية نزحت من الاندلس إلى تونس في أواسط القرن السابع الهجري 000 ويرجع اصل ابن خلدون إلى العرب اليمانية في حضرموت ونسبه إلى وائل بن حجر 000 وبما أن ابن خلدون سليل اسرة عريقة ونابهة فقد تتلمذ على يدي ابيه الذي كان معلمه الأول اذ قرأ القرآن وحفظه وتفقه في القراءات السبع ودرس شيئاً من التفسير والحديث والفقه كما درس النحو واللغة على يد أشهر الاساتذة في تونس التي كانت مركزاً للعلوم والآداب في بلاد المغرب وكانت منزلاً لعدد كبير من علماء الاندلس الذين شتتهم الحوادث , أو ضاق بهم الوطن 0
وهو عالم عربي شهير وواضع علم الاجتماع الحديث سابقاً بذلك علماء الغرب، تمكن من تقديم عدد من النظريات الجديدة في كل من علمي الاجتماع والتاريخ، كان يهوى الإطلاع على الكتب والمجلدات التي تركها العلماء السابقين وذلك لكي تتكون عنده خلفية علمية يستطيع أن يستند عليها في أفكاره هذا بالإضافة لتمتعه بالطموح العالي والثقافة الواسعة.
وقد عكف ابن خلدون على التحصيل والدرس حتى بلغ الثامنة عشرة 000 حيث طافت بالمغرب تلك الكارثة التي نكبت العالم الاسلامي كله من سمرقند إلى المغرب اي الفناء الكبير أو الطاعون الجارف والذي هلك فيه والدا المؤرخ وجميع شيوخه,و معظم سكان تونس ويشير ابن خلدون إلى تلك النكبة غير مرة في لهجة مؤثرة فيقول انها :
» طوت البساط بما فيه « وفيها يقول ايضاً :» ذهب الاعيان والصدور وجميع المشيخة وهلك ابواي رحمهما الله « لهذا فقد اراد النزوح إلى المغرب الاقصى الذي نزح اليه بعض شيوخه واصحابه إلا أن اخاه الأكبر محمد رده عن عزمه 000 ولم يمض وقت طويل حتى استدعاه ابو محمد بن تافراكين طاغية تونس آنذاك لكتابة العلامة عن محجورة واسيره السلطان الفتى أبي اسحاق وكتابة العلامة هي التوقيع باسم السلطان وشارته على المخاطبات والمراسيم الملكية وكان المؤرخ يومئذ حدثاً دون العشرين 0
بعد ذلك انتقل إلى فاس وانتظم في بلاط ابي عنان الذي ولاه رغم حداثة سنه منصب الكتابة واختصه في مجلسه للمناظرة والتوقيع عنه , إلا أن الدسائس والوشايات أوصلته إلى السجن حيث كتب قصيدة للسلطان استعطفه فيها للافراج عنه يقول فيها :
على أي حال لليالي أعاتب وأي صروف للزمان أغالب
كفى حزناً اني على القرب نازح وأني على دعوى شهودي غائب
وأني على حكم الحوادث نازل تسالمني طوراً وطوراً تحارب
فعفى عنه السلطان إلا أنه توفي قبل موعد الافراج عنه لكن الوزير الحسن بن عمر القائم بأمر الدولة اخرجه من سجنه ورده إلى سابق وظائفه 0
بعد ذلك انتقل إلى الاندلس وقربه السلاطين والامراء إلى بلاطاتهم وقلدوه المناصب السياسية إلا أنه آثر العودة إلى المغرب زاهداً في العمل السياسي معتكفاً للتأليف 00 وفي هذه العزلة التي فرضها على نفسه بدأ بكتابة مؤلفه التاريخي وكان يومئذ في الخامسة والاربعين من عمره حيث نضجت تجاربه ومعارفه واطلاعاته 000
وبما أن ابن خلدون خاض معترك السياسة على مدى ربع قرن متقلباً في خدمة القصور والدول المغربية التي عرف اخبارها وتقاليدها وعادات مجتمعاتها , وكان ذكياً , حاذقاً فقد ساعده ذلك في كتابة مقدمة تاريخه الذي انجزه بعد خمسة اشهر من البدء فيه 000
بعدها شرع في كتابة تاريخه الذي دوّن فيه تاريخ العرب والبربر وزناته أو بعبارة أخرى كتب منه اقسامه الأولى والاخيرة , ولم يكن في ذهنه ان يكتب تاريخاً عاماً للخليقة كلها , بل كان قصده الاساسي ان يكتب تاريخ المغرب والدول البربرية 000 ولما كان ينقصه في مكانه الذي اعتزل به الكثير من المراجع فقد عاد إلى بلده تونس الغنية بمكتباتها ومراجعها وهيأ له سلطانها كل اسباب الراحة فعكف على اتمام مؤلفة وتنقيحه وتهذيبه الذي ضم المقدمة واخبار البربر وزناته وتاريخ العرب قبل الاسلام وبعده وتاريخ الدول الاسلامية المختلفة.
لكن خصومه لم يتركوه في مأمن من العيش وحين احس بدسائس هؤلاء اضطر أن يلتمس الحج عذراً للرحيل والنجاة فقدم إلى الاسكندرية 1382 م ثم إلى القاهرة التي نال فيها كل التقدير والاحترام لأن شهرة مؤلفه كانت قد سبقته إلى هناك فأخذ يدرس في الازهر الحديث والفقه المالكي ويشرح نظرياته في العمران والعصبية وأسس الملك ونشأة الدول وكانت هذه الدروس تنبىء عن غزير علمه وسحر بيانه.
وقد تقلد في مصر منصب القضاء 000
بعد ذلك انتقل إلى دمشق وحاول الاتصال بتيميورلنك لتحقيق مكاسب سياسية لكن امانيه لم تتحقق فعاد إلى مصر ليستقر في القاهرة ساعياً لتسلم منصب القضاء 00
وقد ولي هذا المنصب مرات عديدة وعزل منه بسبب الدسائس والوشايات , وقد قضى ابن خلدون في مصر ثلاثة وعشرين عاماً كان فيها قليل الانتاج حيث لم يكتب سوى بعض الاضافات على المقدمة والتاريخ كما كتب ترجمة عن حياته اثناء اقامته بمصر واستمر فيها إلى قبيل وفاته وضمنها فصولاً جديدة عن خواص دول المماليك المصرية ونشأة التتار 0
هـو أبـو زيــد ولي الديـن عبد الرحمن ، بن أب بكر محمد ، بن أبـي عبد الله محمد ، بن محمد ، بن الحسن ، بن محمد ، بن جابـر ، بن محمد ، بن إبراهيم ، بن عبد الرحمن ، بن خلدون ، اليمني ، الاشبيلي ، التونسي ، المالكي ، الأشعري ، ولد في غرّة رمضان 732 هـ الموافق لـ: 27 ماي 1332 م
في اسرة اندلسية نزحت من الاندلس إلى تونس في أواسط القرن السابع الهجري 000 ويرجع اصل ابن خلدون إلى العرب اليمانية في حضرموت ونسبه إلى وائل بن حجر 000 وبما أن ابن خلدون سليل اسرة عريقة ونابهة فقد تتلمذ على يدي ابيه الذي كان معلمه الأول اذ قرأ القرآن وحفظه وتفقه في القراءات السبع ودرس شيئاً من التفسير والحديث والفقه كما درس النحو واللغة على يد أشهر الاساتذة في تونس التي كانت مركزاً للعلوم والآداب في بلاد المغرب وكانت منزلاً لعدد كبير من علماء الاندلس الذين شتتهم الحوادث , أو ضاق بهم الوطن 0
وهو عالم عربي شهير وواضع علم الاجتماع الحديث سابقاً بذلك علماء الغرب، تمكن من تقديم عدد من النظريات الجديدة في كل من علمي الاجتماع والتاريخ، كان يهوى الإطلاع على الكتب والمجلدات التي تركها العلماء السابقين وذلك لكي تتكون عنده خلفية علمية يستطيع أن يستند عليها في أفكاره هذا بالإضافة لتمتعه بالطموح العالي والثقافة الواسعة.
وقد عكف ابن خلدون على التحصيل والدرس حتى بلغ الثامنة عشرة 000 حيث طافت بالمغرب تلك الكارثة التي نكبت العالم الاسلامي كله من سمرقند إلى المغرب اي الفناء الكبير أو الطاعون الجارف والذي هلك فيه والدا المؤرخ وجميع شيوخه,و معظم سكان تونس ويشير ابن خلدون إلى تلك النكبة غير مرة في لهجة مؤثرة فيقول انها :
» طوت البساط بما فيه « وفيها يقول ايضاً :» ذهب الاعيان والصدور وجميع المشيخة وهلك ابواي رحمهما الله « لهذا فقد اراد النزوح إلى المغرب الاقصى الذي نزح اليه بعض شيوخه واصحابه إلا أن اخاه الأكبر محمد رده عن عزمه 000 ولم يمض وقت طويل حتى استدعاه ابو محمد بن تافراكين طاغية تونس آنذاك لكتابة العلامة عن محجورة واسيره السلطان الفتى أبي اسحاق وكتابة العلامة هي التوقيع باسم السلطان وشارته على المخاطبات والمراسيم الملكية وكان المؤرخ يومئذ حدثاً دون العشرين 0
بعد ذلك انتقل إلى فاس وانتظم في بلاط ابي عنان الذي ولاه رغم حداثة سنه منصب الكتابة واختصه في مجلسه للمناظرة والتوقيع عنه , إلا أن الدسائس والوشايات أوصلته إلى السجن حيث كتب قصيدة للسلطان استعطفه فيها للافراج عنه يقول فيها :
على أي حال لليالي أعاتب وأي صروف للزمان أغالب
كفى حزناً اني على القرب نازح وأني على دعوى شهودي غائب
وأني على حكم الحوادث نازل تسالمني طوراً وطوراً تحارب
فعفى عنه السلطان إلا أنه توفي قبل موعد الافراج عنه لكن الوزير الحسن بن عمر القائم بأمر الدولة اخرجه من سجنه ورده إلى سابق وظائفه 0
بعد ذلك انتقل إلى الاندلس وقربه السلاطين والامراء إلى بلاطاتهم وقلدوه المناصب السياسية إلا أنه آثر العودة إلى المغرب زاهداً في العمل السياسي معتكفاً للتأليف 00 وفي هذه العزلة التي فرضها على نفسه بدأ بكتابة مؤلفه التاريخي وكان يومئذ في الخامسة والاربعين من عمره حيث نضجت تجاربه ومعارفه واطلاعاته 000
وبما أن ابن خلدون خاض معترك السياسة على مدى ربع قرن متقلباً في خدمة القصور والدول المغربية التي عرف اخبارها وتقاليدها وعادات مجتمعاتها , وكان ذكياً , حاذقاً فقد ساعده ذلك في كتابة مقدمة تاريخه الذي انجزه بعد خمسة اشهر من البدء فيه 000
بعدها شرع في كتابة تاريخه الذي دوّن فيه تاريخ العرب والبربر وزناته أو بعبارة أخرى كتب منه اقسامه الأولى والاخيرة , ولم يكن في ذهنه ان يكتب تاريخاً عاماً للخليقة كلها , بل كان قصده الاساسي ان يكتب تاريخ المغرب والدول البربرية 000 ولما كان ينقصه في مكانه الذي اعتزل به الكثير من المراجع فقد عاد إلى بلده تونس الغنية بمكتباتها ومراجعها وهيأ له سلطانها كل اسباب الراحة فعكف على اتمام مؤلفة وتنقيحه وتهذيبه الذي ضم المقدمة واخبار البربر وزناته وتاريخ العرب قبل الاسلام وبعده وتاريخ الدول الاسلامية المختلفة.
لكن خصومه لم يتركوه في مأمن من العيش وحين احس بدسائس هؤلاء اضطر أن يلتمس الحج عذراً للرحيل والنجاة فقدم إلى الاسكندرية 1382 م ثم إلى القاهرة التي نال فيها كل التقدير والاحترام لأن شهرة مؤلفه كانت قد سبقته إلى هناك فأخذ يدرس في الازهر الحديث والفقه المالكي ويشرح نظرياته في العمران والعصبية وأسس الملك ونشأة الدول وكانت هذه الدروس تنبىء عن غزير علمه وسحر بيانه.
وقد تقلد في مصر منصب القضاء 000
بعد ذلك انتقل إلى دمشق وحاول الاتصال بتيميورلنك لتحقيق مكاسب سياسية لكن امانيه لم تتحقق فعاد إلى مصر ليستقر في القاهرة ساعياً لتسلم منصب القضاء 00
وقد ولي هذا المنصب مرات عديدة وعزل منه بسبب الدسائس والوشايات , وقد قضى ابن خلدون في مصر ثلاثة وعشرين عاماً كان فيها قليل الانتاج حيث لم يكتب سوى بعض الاضافات على المقدمة والتاريخ كما كتب ترجمة عن حياته اثناء اقامته بمصر واستمر فيها إلى قبيل وفاته وضمنها فصولاً جديدة عن خواص دول المماليك المصرية ونشأة التتار 0